القائمة الرئيسية

الصفحات

خرافة الأميرة والكلب ذو السلاسل السبع: الـــجزء الــثاني

 

 الأميرة والكلب ذو السلاسل السبع
الـــجزء الــثاني

 

خرافة الأميرة والكلب ذو السلاسل السبع  الـــجزء الــثاني


تـــــــوطـــــــئة

اليوم سوف نكمل قصة الأميرة والكلب ذو السلاسل السبع في جزئها الثاني، وكنّا قد توقّفنا عند وصول الأميرة الوسطى إلى لقاء الكلب الشرس بعد رحلة طويلة تحمّلت فيها الأهوال والمصاعب التّي لا يتحّملها رجل - فما بالك بفتاة رقيقة عاشت حياة القصور ومدللة يخدمها الحَشَم والخدم - ولكنّ أميرتنا كانت شجاعة صبورة ووفيّة راضية بما رزقها الله به لو قُدّر لها بأن تتزوّج برجلٍ على هيأة كلب.


ترى هل ستنجح الأميرة في السيطرة على الكلب المخيف؟

وهل ستــنقذه من سحره ذاك؟

 

لقــاء الأميــرة بالكلــب

عندما وقعت عيناها على الكلب كان المشهد رهيبا بالنسبة لها خاصة بعد ازدياد هيجانه ومحاولته المتكرّرة في التخلّص من الانقضاض عليها بغية افتراسها، توارت على الأنظار واتكأت على حائط البناء باكية مع النّباح العالي والمستمّر، ثمّ كفكفت دمعها وفكّرت كيف تُغافل الكلب وتدلف داخلاً خاصّة وأنّ الشمس أوشكت على الغروب.. زِدْ على ذلك التّعب والإرهاق اللذّان أنهكَا جسدها الرقيق.. فجأة تذكّرت اللقمَات السبعة التّي أعطتها إيّاهم فتاة القصر الكبرى من العفريت خلسةً وتساءلت في همْسٍ تُحادث نفسها:


ترى هل أُلقي بلقمة للكلب علّه يسمح لي بالدخول؟؟ 

 

 تشجّعت وواجهت الكلب المخيف الذّي احمرّت عيناه من كثرة النّباح وتناولت كِيسًا صغيرا كانت قد ربطته في خصرها وأخرجت منه لقمة من لقمات العفريت وألقتها بجانب الكلب من بعيد وانتظرت ردّة فعله.. ما إن لامست اللقمة الأرض حتّى كَبُرَ حجمها فجأةً فأسرع باتّجاهها وانهمك في أكلها وابتعد من أمام الباب.. انتهزت الأميرة الفرصة وسحبت نفسًا عميقًا ثمّ ركضت بأقصى قوتّها في اتّجاه الباب الضخم حتّى أنّها لم تُفكّر إن كانت قادرة على دفعه أو فتحه... لكنّها أوّل ما لمسته فُتح بمفرده ودلفت الأميرة داخلاُ وأغلقته بسرعة خشية أن يلحق بها الكلب الشرس.

ألصقت ظهرها إلى الباب تلتقط أنفاسها المتلاحقة لبضعة دقائق، فأيقظها من غفلتها عودة نُباح الكلب الذّي ما إن أكمَل طعامه حتّى أخذ في ضرب الباب بقوة في محاولة كسره أو خلعه لأنّه اشّتم رائحة الأميرة.. كان قلبها يخفق بقوّة من شدّة الخوف، فابتعدت مسرعة واختبأت في إحدى الغرف وظلّت تُراقب الكلب الشّرس من النافذة حتّى هدأ وغاب عنها ولم يعد في مجال رؤيتها.. تنهدّت السّعداء وأخذت تجول ببصرها في المكان.

كان المنزل ضخما وشاسعًا، أثاثه فاخر ونظيف كأنّ هناك من يعتني به.. دخلت إلى كلّ غرف المنزل ، كانت منبهرة بجمال الستائر الحريريّة المنسدلة على النوافذ - التي أضفتْ جمالاً فوق جمالٍ ورونقًا على المكان - فكلّ الغرف كانت مرتّبة وتحتوي على أفخر أنواع السٍّجاد حتّى أنّها  أكثر جمالاُ من التّي في قصر والدها السلطان برسوماتها وأشكالها التّي تسرُّ النّاضرين.. كانت من بين الغرف غرفة أكثر شساعة من سابقاتها وكأنّها غرفة نوم سلطانٍ لجمال الفُرُش فيها والمطرّزة بالذهب ووسائد الريش.. ألقت بجسدها المنهك على السرير وتذكّرت جناحها وظلّت تبكي شوقًا لحياتها في قصر والدها حتّى حملَها النوم.


لـحظة اللِّـــقاء

تراءى إلى مسمعها ذكر الله من تلاوة لآيات قرآنية، وظنّت نفسها في حُلُمٍ، ثمّ سمعت تكبيرًا "الله أكبر"، فركت عينيها وبحلقتهما في المكان فوجدت المكان مضيئًا بالشّموع والقناديل في كلّ مكان وصوت رجل يتلو آياتٍ كريمة من القرآن... أحسّت بالخوف وانهالت عليها التساؤلات: ترى من يكون؟.. ترى هل عَلِمَ بوجودها؟.. كيف تجاوز الكلب الشرس؟.. ترى هل كان مسجونًا في هذا المنزل لا يُغادره؟...

حركّت رأسها يمنة ويسرة بسرعة وكأنّها تنفض كل تلك الأسئلة التّي بدون أجوبة، ثمّ قفزت من فوق الفراش مذعورة، وأخذت تمشي على أطراف الأصابع - خشية أن ينتبه لوجودها - باتّجاه الصوت... ذُهلتْ عندما رأت شخصًا يُصلّي في خشوعٍ، كانت واقفة خلفه واندهشت لرؤية  هالَةٌ النور التّي تُحيط به وكلّ من رآها يشعر بالطمأنينة.. وقد كانت بُنيةَ جسمه قوّية وهو ما يدّل على أنّه شابٌ أو كهلُ.

كان يرتدي عباءة  أنيقة مصنوعة من أفخر أنواع القماش وكأنّها ملابس السلاطين، ظلّت الأميرة تُراقبه في صمت حتّى أنهى صلاته وألقى السّلام فأسرعت واختبأت خلف الباب خائفة.. اعتقدتْ أنّه رآها لكنّها سمعته يذكر الله ويُسبّحه تسبيحًا وظلّ على تلك الحالة وقتًا لا بأس به.. ثمّ سكتَ بُرهةً ومع سكوته خفقَ قلبها بشدّة.. حتّى سمعته مرّة أخرى يتلو بعض سُوَرِ القرآن من حفظه بصوت شجيٍّ يُشعر سامعيه بالرّاحة وكأنّه صوت قادم من الجنّة.. فعلمتْ أنّه من حُفّاظ القرآن الكريم عندها ارتاح بالها قليلاً وتأكدّت أنّه لن يلحقَ بها الأذى إذا عَلِمَ بوجودها.

عادت الأميرة تُراقب الرجل بخفية وهو في مكانه ما بين صلاة وتسبيح وتلاوة للقرآن الكريم، ثمّ سادَ المكان صمتٌ رهيب.. استرقت النّظر فرأته نائمًا على سجّاده.. أرادت أن ترى وجهه لكنّها تراجعت وأغلقت باب الغرفة ونامت في اطمئنان.. لم تشعر بمرور الوقت حتّى أفاقت مذعورة على نباح الكلب الشرّس الصاخب، فأسرعت إلى النّافذة فإذا به الصباح قد طلع والشمس استقرّت في السّماء مشرقة وبَصُرت الكلب في حالة هيجانٍ.

تذكّرت الأميرة الرجل الذي رأته يُصلّي البارحة، فقفزت من فراشها الوثير وفتحت الباب بهدوء فلم تجده، فأخذت تبحث في باقي الغرف دون جدوى وتساءلت فيما بينها أين تُراه اختفى؟.. أيُعقلٌ أن يكون ملاكًا أو جنيًّا؟.. أو رُبّما افترسه الكلب عند خروجه؟

 

حقــــيقــة الكلــب الشّرس

كانت الفكرة الأخيرة والمتمثّلة في احتمال افتراس الكلب للرجل مفزعة، فأخذت تدعو الله أن لا يُصيبه مكروه.. حتّى سمعت جلبَةً في الخارج فأسرعت نحو النّافذة ورأت سبعة رجالٍ من العبيد أشدّاء يحملون صوانيَ كبيرة فيها أصناف كثيرة من الأكل، وضعوها على الأرض بسرعة وتراجعوا يركضون بكلّ قوّتهم، انغمس الكلب في الأكل بشراهة حتّى أكمل جميع الصوانيَ في لحظاتٍ وعاد إلى النُّباح مجدّدا.

أخذت الأميرة تجول في المنزل وتبحث عن باب خلفي يمكنّها من الخروج من هذا السّجن - دون جدوى - والكلب لا يكفّ عن النباح وأحسّت بالجوع فقد انتهى ما كان معها من طعام وشراب.. عادت إلى غرفتها واتكأت تُريح جسمها تشاهد غروب الشّمس من النافذة، أخذ صوت النباح في التناقص شيئًا فشيئًا، لفت ذلك اُنتباهها فاُنتابها الفضول فأسرعت إلى النافذة لترى ما يحدث.

رأت مشهدًا غريبًا لا يُصدّق... لقد تجمّد الكلب الضخم في مكانه وكأنّه تمثال وبدأ جلده في التشقّق - كآنية متصدّعة - ثمّ انقسم إلى نصفين كأنّ شخصًا قصّه بمقصٍّ وخرج منه رجلاً.. هَالَهَا ما رأته فتراجعت بضع الخطوات إلى الوراء في خوف.. كان نفس الرجل الذي رأته ليلة البارحة واقفًا يُصلّي ويسبّح الله.. إنّه عَجَبَ العُجَاب كيف لكلبٍ أن يتحوّل إلى إنسانٍ متعبّدٍ؟.. حارتْ في أمرها ماذا تفعل؟.. فهذا المشهد لم يُخبرها عنه الجنيّ.

ثمّ رأته يذهب إلى خلف المنزل، فقرّرت اللّحاق به لعلّها تعرف سبب تحوّله إلى كلبٍ.. كانت توجد حديقة غنّاء مليئة بالأشجار والأزهار والعشب في كلّ مكان أبهرها المنظر الجميل كثيرا.. وكان هناك ما يُشبه المسبح وما يُسمّى "بالجابية" فيها ماء متجدّد ونظيف غطس فيها الرّجل بثيابه ثمّ انزوى في ركنٍ لم تصله بعينيها.. ثمّ رأته قادمًا باتجّاهها وقد اُرتدى ملابس فاخرة مطأطئ الرأس فأسرعت إلى الاختباء في غرفتها خشية أن يراها.

اٌتّجه الرجل مباشرة إلى مكانه المعتاد وفرش سجّاده وكبّرَ للصلاة.. أرادت الأميرة أن تُحادثه عند انتهاءه من صلاته لكنّها خشيت أن يتحوّل فجأة إلى ذاك الكلب المخيف ويفترسها فالتزمت الصمت حتّى نامت وأفاقت مرّة أخرى على نباحه.

ترى كيف ستتصرّف الأميرة مع الرجل؟ 

وهل ستمكث معه في نفس المنزل؟ 

هذا ما سوف نعرفه في الجزء الثالث والأخير من قصة الأميرة والكلب ذو السلاسل السبع.


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

تعليقات

التنقل السريع